فصل: مناسبة الحديث للترجمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


قوله‏:‏ ‏(‏رديف‏)‏، بمعنى رادف؛ أي‏:‏ راكب معه خلفه؛ فهو فعيل بمعنى فاعل، مثل‏:‏ رحيم بمعنى راحم، وسميع بمعنى سامع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على حمار‏)‏، أي‏:‏ أهلي؛ لأن الوحشي لا يركب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتدري‏)‏، أي‏:‏ أتعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما حق الله على العباد‏؟‏‏)‏، أي‏:‏ ما أوجبه عليهم، وما يجب أن يعاملوه به، وألقاه على معاذ بصيغة السؤال؛ ليكون أشد حضورًا لقلبه حتى يفهم ما يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

قوله ‏(‏وما حق العباد على الله‏؟‏‏)‏، أي‏:‏ ما يجب أن يعاملهم به، والعباد لم يوجبوا شيئًا، بل الله أوجبه على نفسه فضلًا منه على عباده، قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ من الآية54‏]‏‏.‏

وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا‏)‏‏.‏ قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أفلا أبشر الناس‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا تبشرهم فيتكلوا‏)‏‏.‏ أخرجاه في ‏(‏الصحيحين‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الجهاد/ باب اسم الفرس والحمار، ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان / باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة‏.‏ ‏]‏

فأوجب سبحانه على نفسه أن يرحم من عمل سوءًا بجهالة؛ أي‏:‏ بسفه وعدم حسن تصرف ثم تاب من بعد ذلك وأصلح‏.‏

ومن كتب؛ أي‏:‏ أوجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏)‏، لفظ الجلالة الله‏:‏ مبتدأ، و‏(‏رسوله‏)‏‏:‏ معطوف عليه، وأعلم‏:‏ خبر المبتدأ، وأفرد الخبر هنا مع أنه لاثنين؛ لأنه على تقدير‏:‏ ‏(‏من‏)‏، واسم التفضيل إذا كان على تقدير‏:‏ ‏(‏من‏)‏؛ فإن الأشهر فيه الإفراد والتذكير‏.‏

والمعنى‏:‏ أعلم من غيرهما، وأعلم مني أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعبدوه‏)‏ أي‏:‏ يتذللوا له بالطاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يشركوا به شيئًا‏)‏، أي‏:‏ في عبادته وما يختص به، وشيئًا نكرة في سياق النفي؛ فتعم كل شيء لا رسولًا ولا ملكًا ولا وليًا ولا غيرهم‏.‏

* * *

وقوله‏:‏ ‏(‏وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا‏)‏، وهذا الحق تفضل الله به على عباده، ولم يوجبه عليه أحد، ولا تظن أن قوله‏:‏ ‏(‏من لا يشرك به شيئًا‏)‏ أنه مجرد عن العبادة؛ لأن التقدير‏:‏ من يعبده ولا يشرك به شيئًا، ولم يذكر قوله‏:‏ ‏(‏من يعبده‏)‏؛ لأنه مفهوم من قوله‏:‏ ‏(‏وحق العباد‏)‏، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابدًا‏.‏

ومن لم يعبد الله ولم يشرك به شيئًا؛ هل يعذب‏؟‏

الجواب‏:‏ نعم يعذب؛ لأن الكلام فيه حذف، وتقديره‏:‏ من يعبده ولا يشرك به شيئًا، ويدل لهذا أمران‏:‏

الأول‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏حق العباد‏)‏، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابدًا‏.‏

الثاني‏:‏ أن هذا في مقابل قوله فيما تقدم‏:‏ ‏(‏أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا‏)‏؛ فعلم أن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏لا يشركوا به شيئًا‏)‏؛ أي‏:‏ في العبادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفلا أبشر الناس‏)‏، أي‏:‏ أأسكت فلا أبشر الناس‏؟‏ ومثل هذا التركيب‏:‏ الهمزة ثم حرف العطف ثم الجملة لعلماء النحوفيه قولان‏:‏

الأول‏:‏ أن بين الهمزة وحرف العطف محذوفًا يقدر بما يناسب المقام، وتقديره هنا‏:‏ أأسكت فلا أبشر الناس‏؟‏

الثاني‏:‏ أنه لا شيء محذوف، لكن هنا تقديم وتأخير، وتقديره‏:‏ فألا أبشر‏؟‏ فالجملة معطوفة على ما سبق، وموضع الفاء سابق على الهمزة؛ فالأصل‏:‏ فألا أبشر الناس‏؟‏ لكن لما كان مثل هذا التركيب ركيكًا، وهمزة الاستفهام لها الصدارة؛ قدمت على حرف العطف، ومثل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ‏}‏ ‏[‏الغاشية‏:‏17‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفلا تُبصرون‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 27‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفلم يسيروا في الأرض‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏46‏]‏‏.‏

والبشارة‏:‏ هي الإخبار بما يسر‏.‏

وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ ‏[‏الانشقاق‏:‏24‏]‏، لكن الأكثر الأول‏.‏

* فيه مسائل

الأولى‏:‏ الحكمة في خلق الجن والإنس‏.‏ الثانية‏:‏ أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تبشرهم‏)‏، أي‏:‏ لا تخبرهم، ولا ناهية‏.‏

ومعنى الحديث أن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، وأن المعاصي تكون مغفورة بتحقيق التوحيد، ونهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن إخبارهم؛ لئلا يعتمدوا على هذه البشرى دون تحقيق مقتضاها؛ لأن تحقيق التوحيد يستلزم اجتناب المعاصي؛ لأن المعاصي صادرة عن الهوى، وهذا نوع من الشرك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفرأيت من اتخذَ إلهه هواه‏}‏ ‏[‏الجاثية‏:‏23‏]‏‏.‏

ومناسبة الحديث للترجمة

فضيلة التوحيد، وأنه مانع من عذاب الله‏.‏

* * *

المسائل‏:‏

* الأولى‏:‏ الحكمة من خلق الجن والإنس، أخذها رحمه الله من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏56‏]‏؛ فالحكمة هي عبادة الله لا أن يتمتعون بالمآكل والمشارب والمناكح‏.‏

* الثانية‏:‏ أن العبادة هي التوحيد، أي‏:‏ أن العبادة مبنية على التوحيد؛ فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعباده، لا سيما أن بعض السلف فسروا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ليعبدون‏}‏ ‏:‏ إلا ليوحدون‏.‏

الثالثة‏:‏ أن من لم يأت به؛ لم يعبد الله؛ ففيه معنى قوله‏:‏ ‏{‏ولا أنتم عابدون ما أعبد‏}‏ ‏[‏الكافرون‏:‏ 3‏]‏‏.‏ الرابعة‏:‏ الحكمة في إرسال الرسل‏.‏ الخامسة‏:‏ أن الرسالة عمت كل أمة‏.‏

وهذا مطابق تماما لما استنبطه المؤلف رحمه الله من أن العبادة هي التوحيد؛ فكل عبادة لا تبنى على التوحيد فهي باطلة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏:‏ أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب الزهد/ باب من أشرك في عمله غير الله‏.‏‏]‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لأن الخصومة فيه‏)‏، أى‏:‏ في التوحيد بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقريش؛ فقريش يعبدون الله يطوفون له ويصلون، ولكن على غير الإخلاص والوجه الشرعي؛ فهي كالعدم لعدم الإيتان بالتوحيد، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ من الآية54‏]‏

* وقوله في الثالثة‏:‏ ففية معنى قوله‏:‏ ‏{‏ولا أنتم عابدون ما أعبد‏}‏ ‏[‏الكافرون‏:‏ 3‏]‏، لستم عابدين عبادتي؛ لأن عبادتكم مبنية على الشرك، فليست بعبادة لله تعالى‏.‏

* الرابعة‏:‏ الحكمة في إرسال الرسل، أخذها رحمه الله تعالى من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ من الآية36‏]‏ فالحكمة هي‏:‏ الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب عبادة الطاغوت‏.‏

* الخامسة‏:‏ أن الرسالة عمت كل أمة، أخذها من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد بعثنا في كل أمة رسولا‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 36‏]‏‏.‏

السادسة‏:‏ أن دين الأنبياء واحد‏.‏ السابعة‏:‏ المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت؛ ففيه معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 256‏]‏

* السادسة‏:‏ أن دين الأنبياء واحد، أخذها من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ من الآية36‏]‏، ومثل قولة تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏25‏]‏، وهذا لا ينافي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ من الآية 48‏]‏؛ لأن الشرعة العملية تختلف باختلاف الأمم والأماكن والأزمنة، وأما أصل الدين؛ فواحد، قال تعالى‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ من الآية13‏]‏‏.‏

* السابعة‏:‏ المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت‏.‏ ودليله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 36‏]‏، فمن عبد الله ولم يكفر بالطاغوت؛ فليس بموحد، ولهذا جعل المؤلف رحمه الله هذه المسألة كبيرة؛ لأن كثيرًا من المسلمين جهلها في زمانه وفي زماننا الآن‏.‏

** تنبيه

لا يجوز إطلاق الشرك أوالكفر أواللعن على من فعل شيئًا من ذلك؛ لأن الحكم بذلك في هذه وغيرها له أسباب وله موانع؛ فلا نقول لمن أكل الربا‏:‏ ملعون؛ لأنه قد يوجد مانع من حلول اللعنة عليه؛ كالجهل مثلًا، أوالشبهة، وما أشبه ذلك، وكذا الشرك لا نطلقه على من فعل شركًا؛ فقد تكون الحجة ما قامت عليه بسبب تفريط علمائهم، وكذا نقول‏:‏ من صام رمضان إيمانًا

الثامنة‏:‏ أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله‏.‏ التاسعة‏:‏ عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف، وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك‏.‏

واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباعه وانتفاء موانعه‏.‏

فإذا رأينا شخصًا يتبرز في الطريق؛ فهل نقول له‏:‏ لعنك الله‏؟‏

الجواب‏:‏ لا، إلا إذا أريد باللعن في قوله‏:‏ ‏(‏اتقوا الملاعن‏)‏ ‏[‏مسند الإمام أحمد 1/299، سنن أبي داود‏:‏ كتاب الطهارة / باب المواضع التي نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التبول فيها، وابن ماجة‏:‏ كتاب الطهارة/باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق، والحاكم ـ وقال‏:‏ ‏(‏صحيح‏)‏، ووافقه الذهبي‏.‏‏]‏ أن الناس أنفسهم يلعنون هذا الشخص ويكرهونه، ويرونه مخلًا بالأدب مؤذيًا للمسلمين؛ فهذا شيء آخر‏.‏

فدعاء القبر شرك، لكن لا يمكن أن نقول لشخص معين فعله‏:‏ هذا مشرك؛ حتى نعرف قيام الحجة عليه، أونقول‏:‏ هذا مشرك باعتبار ظاهر حاله‏.‏

* الثامنة‏:‏ أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله‏.‏ فكل ما عبد من دون الله؛ فهو طاغوت، وقد عرفه ابن القيم‏:‏ بأنه كل ما تجاوز به البعد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فالمعبود كالصنم، والمتبوع كالعالم، والمطاع كالأمير‏.‏

* التاسعة‏:‏ عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام، المحكمات‏.‏

العاشرة‏:‏ الآيات المحكمات في سورة الإسراء/ وفيها ثماني عشر مسألة، بدأها الله بقوله‏:‏ ‏{‏لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏22‏]‏‏.‏ وختمها بقوله‏:‏ ‏{‏وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ من الآية 39‏]‏‏.‏ ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ من الآية 39‏]‏‏.‏

أي‏:‏ التي ليس فيها نسخ، أخذ ذلك من قول ابن مسعود رضي الله عنه‏.‏

* العاشرة‏:‏ الآيات المحكمات في سورة الإسراء‏.‏ وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ من الآية 23‏]‏، وفيها ثماني عشرة مسألة بدأها بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تجعل مع الله إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 22‏]‏، وختمها بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تجعل مع الله إلهًا آخر فتلقى في جهنم ملومًا مدحورًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وقد نبهنا الله ـ سبحانه ـ على عظم شأن هذه المسائل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 39‏]‏‏.‏

فبدأها الله بالنهي عن الشرك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تجعل مع الله إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 22‏]‏، والقاعد ليس قائمًا؛ لأنه لا خير لمن أشرك بالله، مذمومًا عند الله وعند أوليائه، مخذولًا لا ينتصر في الدنيا ولا في الآخرة‏.‏

وختمها بقوله‏:‏ ‏{‏وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ من الآية39‏]‏؛ فهذه عقوبته عندما يلقى في النار كل يلومه ويدحره فيندحر والعياذ بالله‏.‏

الحادية عشرة‏:‏ آية سورة النساء التى تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية36‏]‏ الثانية عشرة‏:‏ معرفة حق الله علينا‏.‏

* الحادية عشرة‏:‏ آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة‏.‏ بدأها بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏]‏، فأحق الحقوق حق الله، ولا تنفع الحقوق إلا به؛ فبدئت هذه الحقوق به، ولهذا لما سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكيم بن حزام عمن كان يتصدق ويعتق ويصل رحمه في الجاهلية هل له من أجر‏؟‏ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أسلمت على ما أسلفت من الخير‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتب الأدب/ باب شراء من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم، ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان/باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده‏.‏‏]‏؛ فدل على أنه إذا لم يسلم لم يكن له أجر، فصارت الحقوق كلها لا تنفع إلا بتحقيق حق الله‏.‏

* الثانية عشرة‏:‏ التنبيه على وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند موته‏.‏ وذلك من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ‏[‏البخاري‏:‏ كتب الأدب/ باب شراء من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم، ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان/باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده‏.‏‏]‏، ولكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يوص بها حقيقة، بل أشار إلى أننا إذا تمسكنا بكتاب الله‏:‏ فلن نضل بعده، ومن أعظم ما جاء به كتاب الله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ من الآية151‏]‏‏.‏

* الثالثة عشرة‏:‏ معرفة حق الله علينا‏.‏ وذلك بأن نعبده ولا نشرك به شيئًا‏.‏

الرابعة عشرة‏:‏ معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه‏.‏ الخامسة عشرة‏:‏ أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة‏.‏ السادسة عشرة‏:‏ جواز كتمان العلم للمصلحة‏.‏

* الرابعة عشرة‏:‏ معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه‏.‏ وذلك بأن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، أما من أشرك؛ فإنه حقيق أن يعذب‏.‏

* الخامسة عشرة‏:‏ أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة‏.‏ وذلك أن معاذًا أخبر بها تأثمًا، أي خروجًا من إثم الكتمان عند موته بعد أن مات كثير من الصحابة؛ وكأنه رضي الله عنه علم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخشى أن يفتتن الناس بها ويتكلوا، ولم يرد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتمها مطلقًا؛ لأنه لوأراد ذلك لم يخبر بها معاذًا ولا غيره‏.‏

* السادسة عشرة‏:‏ جواز كتمان العلم للمصلحة‏.‏ هذه ليست على إطلاقها؛ إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لا يجوز لأنه ليس بمصلحة، ولهذا أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا ولم يكتم ذلك مطلقًا، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص لا على سبيل الإطلاق؛ فجائز للمصلحة؛ كما كتم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك عن بقية الصحابة خشية أن يتكلوا عليه، وقال لمعاذ‏:‏ ‏(‏لا تبشرهم فيتكلوا‏)‏ ‏[‏سبق تخريجه ‏(‏ص 34‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

ونظير هذا الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي هريرة‏:‏ ‏(‏بشر الناس أن من قال‏:‏ لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب الإيمان/باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة‏]‏‏.‏

السابعة عشرة‏:‏ استحباب بشارة المسلم بما يسره‏.‏ الثامنة عشرة‏:‏ الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله‏.‏

بل قد تقتضي المصلحة ترك العمل؛ وإن كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترك ذلك خشية افتتان الناس؛ لأنهم حديثو عهد بكفر ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب العلم/ باب ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، ومسلم‏:‏ كتاب الحج/باب نقض الكعبة‏.‏‏]‏‏.‏

* السابعة عشرة‏:‏ استحباب بشارة المسلم بما يسره‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏أفلا أبشر الناس‏؟‏‏)‏، وهذه من أحسن الفوائد‏.‏

* الثامنة عشرة‏:‏ الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله‏.‏ وذلك لقوله‏:‏ ‏(‏لا تبشرهم فيتكلوا‏)‏؛ لأن الاتكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله‏.‏

وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد‏:‏ ‏(1)‏، فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ إن كان مريضًا غلب جانب الرجاء، وإن كان صحيحًا غلب جانب الخوف‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ إذا نظر إلى رحمة الله وفضله غلب جانب الرجاء‏,‏ وإذا نظر إلى فعله وعمله غلب جانب الخوف لتحصل التوبة‏.‏

ويستدلون بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ من الآية60‏]‏؛ أي‏:‏ خائفة أن لا يكون تقبل منهم لتقصير أوقصور، وهذا القول جيد، وقيل‏:‏ يغلب الرجاء عند فعل الطاعة ليحسن الظن بالله، ويغلب جانب الخوف إذا هم بالمعصية لئلا ينتهك حرمات الله‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏(‏أفلا أبشر الناس‏؟‏‏)‏ ‏[‏سبق تخريجه ‏(‏ص 34‏)‏‏.‏‏]‏ دليل على أن التبشير مطلوب فيما يسر من أمر الدين والدنيا، ولذلك بشرت الملائكة إبراهيم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وبشروه بغلامٍ عليم‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏28‏]‏، وهو إسحاق، والحليم إسماعيل، وبشر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهله بابنه إبراهيم، فقال‏:‏ ‏(‏ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب الفضائل/باب رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصبيان والعيال‏.‏‏]‏؛ فيؤخذ من أنه ينبغي للإنسان إدخال السرور على إخوانه المسلمين ما أمكن بالقول أو بالفعل؛ ليحصل له بذلك خير كثير وراحة وطمأنينة قلب وانشراح صدر‏.‏

وعليه؛ فلا ينبغي أن يدخل السوء على المسلم، ولهذا يروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا يحدثني أحد عن أحد بشيء؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر‏)‏ ‏[‏مسند الإمام أحمد 1/396، وقال أحمد شاكر‏:‏ إسناده حسن على الأقل‏.‏ وسنن أبي داود‏:‏ كتاب الأدب/باب في رفع الحديث من المجلس، ـ وسكت عنه ـ‏.‏‏]‏‏.‏

التاسعة عشرة‏:‏ قول المسؤول عما لا يعلم‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

وهذا الحديث فيه ضعف، لكن معناه صحيح؛ لأنه إذا ذكر عندك رجل بسوء؛ فسيكون في قلبك عليه شيء ولو أحسن معاملتك، لكن إذا كنت تعامله وأنت لا تعلم عن سيئاته، ولا محذور في أن تتعامل معه؛ كان هذا طيبًا، وربما يقبل منك النصيحة أكثر، والنفوس ينفر بعضها من بعض قبل الأجسام، وهذه مسائل دقيقة تظهر للعاقل بالتأمل‏.‏

* التاسعة عشرة‏:‏ قول المسؤول عما لا يعلم‏:‏ الله ورسوله أعلم، وذلك لإقرار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا لما قالها، ولم ينكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على معاذ، حيث عطف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الله بالواو، وأنكر على من قال‏:‏ ‏(‏ما شاء الله وشئت‏)‏، وقال‏:‏ أجعلتني لله ندًا‏؟‏ بل ما شاء الله وحده‏)‏ ‏[‏مسند الإمام أحمد ‏(‏1/214‏)‏، وابن ماجة‏:‏ كتاب الكفارات/باب النهي أن يُقال‏:‏ ما شاء الله وشئت، وقال أحمد شاكر‏:‏ إسناده صحيح ‏(‏1839‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

فيقال‏:‏ إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند القائل، ولهذا لم ينكر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على معاذ‏.‏

بخلاف العلوم الكونية القدرية؛ فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس عنده علم منها‏.‏

فلوقيل‏:‏ هل يحرم صوم العيدين‏؟‏

جاز أن نقول‏:‏ الله ورسوله أعلم، ولهذا كان الصحابة إذا أشكلت عليهم المسائل ذهبوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيبينها لهم، ولوقيل‏:‏ هل يتوقع نزول مطر في هذا الشهر‏؟‏ لم يجز أن نقول‏:‏ الله ورسوله أعلم؛ لأنه من العلوم الكونية‏.‏

العشرون‏:‏ جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض‏.‏ الحادية والعشرون‏:‏ تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لركوب الحمار مع الإرداف عليه‏.‏ الثانية والعشرون‏:‏ جواز الإرداف على الدابة‏.‏

* العشرون‏:‏ جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض‏.‏ وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خص هذا العلم بمعاذ دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‏.‏

فيجوز أن نخصص بعض الناس بالعلم دون بعض، حيث أن بعض الناس لوأخبرته بشيء من العلم أفتتن، قال ابن مسعود‏:‏ ‏(‏إنك لن تحدث قومًا بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة‏)‏ ‏[‏رواه‏:‏ مسلم‏:‏ المقدمة/ باب النهي عن الحديث بكل ما سمع‏.‏‏]‏ ، وقال علي‏:‏ ‏(‏حدثوا الناس بما يعرفون‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب العلم/باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا‏.‏‏]‏، فيحدث كل أحد حسب مقدرته وفهمه وعقله‏.‏

* الحادية والعشرون‏:‏ تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لركوب الحمار مع الإرداف عليه‏.‏ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشرف الخلق جاهًا، ومع ذلك هو أشد الناس تواضعًا، حيث ركب الحمار وأردف عليه، وهذا في غاية التواضع؛ إذ إن عادة الكبراء عدم الإرداف، وركب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحمار، ولوشاء لركب ما أراد، ولا منقضة في ذلك؛ إذ إن من تواضع لله ـ عز وجل ـ رفعه‏.‏

* الثانية والعشرون‏:‏ جواز الإرداف على الدابة‏.‏ وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أردف معاذًا لكن يشترط للإرداف أن لا يشق على الدابة، فإن شق؛ لم يجز ذلك‏.‏

الثالثة والعشرون‏:‏ عظم شأن هذه المسألة‏.‏

الرابعة والعشرون‏:‏ فضيلة معاذ بن جبل‏.‏

* الثالثة والعشرون‏:‏ عظم شأن هذه المسألة‏.‏ حيث أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا وجعلها من الأمور التي يبشر بها‏.‏

الرابعة والعشرون‏:‏ فضيلة معاذ رضي الله عنه‏.‏ وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصه بهذا العلم‏,‏ وأردفه معه على الحمار‏.‏

* * *